Posted by: elhanafi | ماي 13, 2009

الأمازيغية / الأصولية، أو العملة ذات الوجهين…..3

الأمازيغية / الأصولية، أو العملة ذات الوجهين…..3

 

محمد الحنفي

elhanafim@yahoo.fr

 

 

 

إهداء إلى

كل من آمن بوحدة المغرب، والمغاربة، وعمل فكرا، وممارسة، على ترسيخ هذه الوحدة.

كل المغاربة الذين يتمسكون بوحدتهم، في شموليتها.

كل المغاربة من أصل عربي / أمازيغي، الذين امتزجوا في دم واحد، صار يحمل اسم الدم المغربي,

كل المسلمين المغاربة الذين يحترمون الدين الإسلامي، ويرفضون استغلاله في الأمور الإيديولوجية، والسياسية.

كل الذين يتكلمون اللهجات الأمازيغية، ولم يعتبروها، في يوم من الأيام، وسيلة لتقسيم المجتمع المغربي إلى طوائف.

كل الشهداء المغاربة، الذين استشهدوا من أجل المحافظة على وحدة المغرب، ووحدة المغاربة، أنى كان جنسهم، أولونهم، أولغتهم، أودينهم.

من أجل مغرب واحد، بهوياته المتعددة.

من أجل إنسان مغربي قوي، في مواجهة تحديات العولمة.


محمد الحنفي

****************

مفهوم الأمازيغية:…..2

وأول سؤال يتبادر إلى أذهاننا، ونحن نقبل على مناقشة مفهوم الأمازيغية هو:

هل الأمازيغية لغة، أم لهجات؟

إننا إذا بحثنا في الميدان، قد لا نجد شيئا اسمه اللغة الأمازيغية، رغم تداول الرموز المسماة “تيفيناغ”ن التي يتم الانطلاق منها لتأكيد وجود لغة أمازيغية، انطلاقا من أن اللغة: هي عبارة عن منظومة متكاملة، محكومة بنظام نحوى / صرفي معين، انطلاقا من مرجعية معينة. قادرة على الدفع في اتجاه التفاعل مع المستجدات التي تحدث في الواقع، انطلاقا من التحول المستمر، الذي تعرفه التشكيلة الإقتصادية / الاجتماعية، القائمة في البلد المعني باستعمال تلك اللغة.

والميادين المغربية، لا تتوفر فيها لغة أمازيغية بهذا المعنى، رغم العديد من الدراسات ذات الطابع الإيديولوجي / السياسي، التي تنجز باللغة العربية، وليس ب “اللغة الأمازيغية”، والتي يمكن اعتبارها دليلا على عدم وجود لغة من هذا النوع، بقدر ما توجد تصورات مختلفة، ومتناقضة، أحيانا، لهذه اللغة المختلفة. وما يقوم على أرض الواقع المغربي، هو مجموعة من لهجات تامازيغت، وتاشلحيت، وتاريفيت، التي أبى مؤدلجو الأمازيغية إلا أن يدمجوها ضمن الأمازيغية.

وهذه اللهجات ذات الحمولة الثقافية المتنوعة، والزاخرة بالقيم النبيلة، والمعاني السامية، يمكن أن تشكل أرضية للبحث من أجل الخروج بمنظومة لغوية محددة، محكومة بنظام نحوي / صرفي، وبلاغي، حتى تعتمد كمشروع للتدريس في مختلف المدارس المغربية، وفي جميع المستويات الدراسية، حتى تصير لغة متكاملة قائمة في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي والثقافي، والسياسي، وحتى تتحول الأمازيغية، كلغة، إلى وسيلة لإغناء الثقافة المغربية، ولتطويرها، وتطورها، لتمكين المغاربة من دخول العصر من بابه الواسع.

وللوصول إلى ذلك، لا بد من إنضاج الشروط الموضوعية القائمة، التي نرى إنها تتمثل في:

1) قيام دستور ديمقراطي متلائم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

2) ملائمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .

3) تمكين جميع المغاربة من التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

4) وضع حد لقيام أحزاب سياسية على أساس عرقي، أو لغوي، أو ديني، التزاما بما ورد في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي الإعلام العالمي المتعلق بحقوق الإنسان، على الخصوص.

5) إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تعكس احترام إرادة الشعب المغربي، وحقه في الاختيار الحر، والنزيه.

6) القضاء على الآفات الاجتماعية مثل البطالة، والفقر، والأمية، والسرقة، والاتجار في المخدرات، وغير ذلك مما يزخر به المجتمع المغربي.

7) محاربة أدلجة الدين الإسلامي، ومواجهة المؤدلجين الذين يستغلون الدين الإسلامي في الأمور الإيديولوجية، والسياسية.

وهذه الشروط، في حالة نضوجها، يمكن أن تساعده على قيام عمل بحثي هادف، من أجل تحقيق بناء منظومة لغوية / أمازيغية، تصير معتمدة إلى جانب المنظومات اللغوية الأخرى، وفي مقدمتها اللغة العربية، وحينها يمكن أن نتحدث عن شيء اسمه: “اللغة الأمازيغية”.

فهل نستطيع أن نسجل: أن النضال من أجل وجود لغة أمازيغية، لا يمكن أن ينفصل عن النضال من أجل الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية؟

وهل نعتبر أن أي برنامج نضالي، لا بد أن تتحدد فيه الأولويات، وأن أولى الأولويات، بالنسبة إلينا، مناهضة الاستبداد القائم، والمسيطر في المجتمع المغربي؟

والسؤال الثاني، الذي يترتب عن السؤال السابق، هو:

وهل يوجد قاسم مشترك، بين اللهجات الأمازيغية، يصلح اعتماده لبناء اللغة الأمازيغية؟

إن اللغة، كما نعلم، هي مجموع الأصوات الدالة على عمل معين، وهذه الأصوات تتشكل منها مجموعات كبرى، وكل مجموعة على حدة يوجد ما يجمع بينها على مستوى الأصوات، وعلى مستوى المخارج، وعلى مستوى الدلالات، كما يوجد ما يفرق بينها على مستوى الأصوات، وعلى مستوى المخارج، وعلى مستوى الدلالات.

وما قلناه عن اللغات، نقوله عن اللهجات المنتشرة في هذا البلد، أو ذاك، كما هو الشأن بالنسبة للهجات الحسانية، واللهجات العربية / المغربية، واللهجات الأمازيغية، ولهجات تاشلحيت، ولهجات تاريفيت عندنا هنا في المغرب.

وبناء على ما ذكرنا، نستطيع أن نميز بين ثلاث مجموعات من اللهجات الأمازيغية: مجموعة تامازيغت، ومجموعة تاشلحيت، ومجموعة تاريفيت، وكل مجموعة من هذه المجموعات، تتشكل من اللهجات الأقرب من بعضها البعض، على مستوى الأصوات، ومخارجها، ودلالاتها، وهي كمجموعات تزداد بعدا عن بعضها البعض. إلا أن ذلك البعد، لا يلغي قيام روابط مشتركة فيما بينها، على مستوى الأصوات، والمخارج، والدلالات. غير أن هذه الروابط لا ترقى إلى مستوى صلاحية اعتمادها منطلقا لبناء لغة أمازيغية، كمنظومة، وكنظام نحوي، وصرفي، يحكم تلك المنظومة، في نفس الوقت.

ولذلك نقترح الانكباب على دراسة المكونات الأمازيغية، على أساس الفصل فيما بينها، من أجل الخروج بتصور يساعد على تطوير كل مكون على حدة، صوتا، ومخرجا، ودلالة، ونحوا، وصرفا، واعتماد كل ذلك أساسا، ومنطلقا للبحث، في أفق التدقيق في الأصوات، والمخارج، والدلالات، والنحو، والصرف، التي تجمع بين هذه المكونات الثلاثة، حتى نضع الأسس الكفيلة بإمكانية الحديث عن وجود لغة مشتركة، بين جميع الأمازيغيين، وعندها فقط، نعمل على وضع برنامج معد، ومدقق لتطوير اللغة الأمازيغية، وإيجاد هيئات مختصة بذلك، حتى تستطيع هذه اللغة الوليدة، من صلب اللهجات الأمازيغية، إنتاج المصطلحات الدالة على المعاني المختلفة، والمستحدثة، والوافدة، المتعلقة بمختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وإنشاء معاجم أمازيغية على هذا الأساس، ووضع كتب نحوية، وصرفية معتمدة، لضبط اللغة الأمازيغية المشتركة، بين جميع اللهجات الأمازيغية، وعندها يمكن الحديث عن تدريس الأمازيغية، انطلاقا من برنامج عام، وبرامج خاصة بكل المستويات، من أجل تسييد اللغة الأمازيغية في المجتمع ككل.

ولهذا، فنحن عندما ننطلق من الواقع القائم، نجد أن ما ينجز من منطلق أنه هو الأمازيغية، لا يمكن تصنيفه إلا في خانة العبث، وأن هذا الاضطراب القائم في عملية تدريس الأمازيغية، هو أكبر دليل على ممارسة العبث، لأننا لم ننكب على ترسيخ القناعات، قبل الشروع في التدريس، لأن واضع البرامج، ومدرسها، ومراقب تدريسها، هم جميعا غير مقتنعين بها، خاصة، وأننا لم نقم بالدراسات الميدانية اللازمة، ومن قبل مختصين، ولم نقم بتقعيد اللغة الأمازيغية، ولم نقم بتكوين الأطر الخاصة بتدريس اللغة الأمازيغية، وبمراقبتها، حتى يتأتى لهذه الأطر المكونة، أن تلعب دورها في عملية تدرس اللغة الأمازيغية وآدابها، ونحوها، وصرفها، وبلاغتها إن أمكن، وحتى تصير الأجيال المغربية الصاعدة، قادرة على التعامل مع اللغة الأمازيغية، كخلاصة مركزة للهجات الأمازيغية، تعاملا إيجابيا، يرفع مكانتها في المجتمع المغربي.

فالقاسم المشترك بين اللهجات الكبرى غير قائم، ولكن إمكانيته تبقى واردة، إذا توفرت الإرادة السياسية، وفي هذا الأفق، يجب أن تبعد الأمازيغية عن كل الصراعات السياسية، التي قد تجرنا إلى تطييف المجتمع المغربي، وأن نركز فقط على الجانب الحقوقي، الذي يجب أن يضمن تفاعل مختلف المكونات الثقافية، التي تندرج ضمن المجموعات الكبرى للهجات الأمازيغية: تامازيغت، وتشلحيت، وتاريفيت، من أجل ضمان النمو السليم، في أفق تطوير القاسم المشترك فيما بينها، ليصير لغة قائمة الذات، تستعمل، كما تستعمل اللغة العربية، واللغة الفرنسية، واللغة الإنجليزية، في الدراسة، وفي الإدارة، وفي جميع مناحي الحياة، قبل أي تفكير في دسترتها. وإلا فان المطالبة بدسترتها قبل بلورة اللغة، إنما هو استغلال إيديولوجي، وسياسي، للهجات الأمازيغية. وهذا الاستغلال البشع، هو الذي يجب تجنبه، خاصة، وأن من يمارسون هذا الاستغلال، قد لا يعرفون ما هي الأمازيغية، ولا يستطيعون النطق بمفرداتها، فما بالنا بلهجاتها، في الاستعمال اليومي.


 


أضف تعليق

التصنيفات